أبو النجم بدر الجمالي

أبو النجم بدر الجمالي

(… ـ 487هـ/ … ـ 1094م)

، أمير الجيوش وأحد قادة الخلافة الفاطمية ووزرائها المشهورين.
كان بدر غلاماً أرمنياً مملوكاً لصاحب طرابلس الشام، جمال الدولة ابن عمَّار، ولذلك عُرف بالجمالي نسبة إليه. وتربَّى عنده وتقدَّم بسببه واعتنق الإسلام. وكان من الرجال المعدودين من ذوي الرأي والشهامة وقوة العزم، وما انفَكَّ منذ سُبِي يوطِّن نفسه على العِزِّ ويتقدَّم في الخدمة إلى أن ولاَّه الخليفة الفاطمي المستنصر (427-487هـ/1036-1094م) إمارة دمشق سنة 455هـ/1063م، ولكنه اضطر إلى مغادرتها مرغماً بعد عام واحد سنة 456هـ لثورة الجند به لصرامته، وعاد بدر ثانية حينما ولاَّه الخليفة سنة 458هـ دمشق والشام بأسرها مع الساحل. وبلغه وهو في دمشق مقتل ولده بعسقلان فخرج إليها سنة 460هـ/1068م. فاستغلَّ جند دمشق غيابه فثاروا مرَّة أخرى وخرَّبوا مع العامة قصر الإمارة، فتوجه بدر إلى عكا واستقرَّ فيها.
ولما تغلَّب القاضي عين الدولة بن أبي عقيل على صور عام 462هـ/1069م حاصر بدر صور برَّاً وبحراً مدة سنة وضيق على أهلها إلاَّ أنه أخفق في الاستيلاء عليها.
كانت مصر قد نكبت في هذه الأثناء (ما بين 446-454هـ) بالوباء والقحط، وكان وقعهما شديداً فيها فعمَّت الفوضى والمجاعة وعاد الوباء أشدَّ ما يكون بين سنتي 456-464هـ/1064-1071م مقترناً بالفتن والحروب، وامتدَّت يد السلاجقة إلى الشام حتى كادت تخرج من أيدي الفاطميين، فاستدعى المستنصر بالله بدر الجمالي إلى مصر عام 466هـ/1073م ليكون القائم بتدبير الدولة وإصلاح الأمور.
أبحر بدر في حرسه الخاص من الأرمن وفي جنده المخلصين ومعه عبد الله بن المستنصر من عكا قاصداً مصر، وفاجأ الأمراء في القاهرة الذين كانوا على جهل بقدومه، فتمكَّن من الإيقاع بهم وقتلهم جميعاً في ليلة واحدة وعاد الهدوء إلى العاصمة، ونُصِّب بدر أميراً للجيوش ولُقِّب بكافل قضاة المسلمين (قاضي القضاة). وهادي دعاة المؤمنين (داعي الدعاة). واستمر بتتبع المفسدين في كل جهة من جهات مصر حتى أفناهم عن آخرهم واستصفى أموالهم، فاستقامت الأحوال واستتبت الأمور وسكنت الفتن وفُرِض النظام والهدوء. وفي عام 468هـ/1075م عيَّنَ الخليفة بدراً وزيراً للسيف لا يتقدمه أحد وأوكلت إليه جوامع تدبير البلاد فصار الأمر كله له، وليس للخليفة المستنصر معه سوى الاسم إلى أن مات سنة 487هـ قبل الخليفة بأشهر.
التفت بدر بعد أن صار وزيراً إلى تقوية الدولة واستعادة هيبتها، وسعى في محاولات متكررة وحملات متعددة في سنوات 471هـ/1078م و478هـ/1085م و482هـ/1089م إلى إعادة سلطة الفاطميين على دمشق والشام، وكانت دمشق قد آلت إلى حكم السلاجقة عام 468هـ/1089م، وحاول القائد التركي أتسز بن أوق[ر] وهو أحد أمراء السلطان السلجوقي ملكشاه أن يستولي على مصر، فقصدها في جمع كبير سنة 469هـ وظهر أمام القاهرة، لكن الجيوش الفاطمية بقيادة بدر الجمالي ألحقت به هزيمة منكرة، ورُدَّ السلاجقة على أعقابهم عن مصر، ومع أن الفاطميين حاولوا سنة 471هـ/1078م استعادة دمشق إلاَّ أنَّهم أخفقوا. ولم يكن في حوزة الفاطميين عند وفاة بدر إلا معظم الساحل الشامي وبعض مدن جنوبي الشام.
كان بدر شديد الهيبة، وافر الحرمة، مخوف السطوة فاتكاً جبَّاراً قتل خلقاً كثيراً لبلوغ غاياته، ولكن المصادر وصفت بدراً إلى جانب ما سبق ذكره من صفات بأنه كان عاقلاً كثير الخير والحسنات كريماً يحترم العلم وأهله ويكرم الشعراء، وأجمعت كذلك على امتداح سيرته في الحكم وازدياد دخل مصر من الضرائب في أيَّامه ونهوضه بالزراعة بأن أباح الأرض للمزارعين ثلاث سنين حتى تحسنت أحوال الفلاَّحين واستغنوا في عهده، وعاد التجار إلى مصر بعد نزوحهم عنها أيام الشدَّة المستنصرية لاستتباب الأمن.
أولى بدر العمران الكثير من العناية والاهتمام، فأمر الناس من العسكر والأرمن وغيرهم أن يعمِّر كل بحسب قدرته ما شاء في القاهرة، وأن يستفيد في عمارته من أنقاض ما تخرَّب من الفسطاط والعسكر والقطائع. وأكثر الناس من عمران الدور واتسعت دائرة العمارة، فبنى الوزير الجمالي سوراً جديداً أوسع نطاقاً من الأول، واستفاد عند التنفيذ من خبرات التحصين التي اكتسبها من حروبه مع السلاجقة، وعَملت في السور أبواب متقنة منيعة أهمها الأبواب الثلاثة التي لا تزال قائمة إلى اليوم، وهي باب زويلة وباب الفتوح وباب النصر، وأولى بدر عنايته أيضاً لبناء المساجد ومن أهم المساجد التي بناها جامع سوق العطارين بثغر الاسكندرية، وآخر بعسقلان وبنيت لبدر الجمالي أيام وزارته «دار المظفَّر» التي غدت دار وزارة سكنها أمير الجيوش نفسه أيام وزارته وصارت بعد ابنه الأفضل، الذي حلَّ محلَّ أبيه في جميع مناصبه، سكناً لوزراء الدولة أرباب السيوف إلى أن زالت الدولة